ملحوظات على جزء حديث ” كان الله ولم يكن غيره ” رواية ودراية وعقيدة لمؤلفه صلاح الدين بن أحمد الإدلبي

جزء

حديث (( كان الله ولم يكن شيء غيره ))

رواية ودراية وعقيدة

لمؤلفه صلاح الدين بن أحمد الإدلبي

عدد الصفحات : 36 صفحة

قياس الصفحة : 17 × 24

هذا جزء في نقد كلام ( شيخ الإسلام ) ابن تيمية ( ت 728هـ) رحمه الله على حديث عمران بن حصين رضي الله عنه : ” كان الله ولم يكن شيء غيره ” ، خاصة الكلام الذي علقه في نقد مراتب الإجماع لابن حزم ( ت 456هـ) رحمه الله .

وفيما يلي كلام ابن حزم وتعليق ابن تيمية وخلاصة أهم ما وصل إليه الباحث من نتائج:

قال ابن حزم – رحمه الله – : ” اتفقوا أن الله – عز وجل – وحده لا شريك له – خالق كل شيء غيره ، وأنه تعالى لم يزل وحده ولا شيء غيره معه ، ثم خلق الأشياء كلها كما شاء “.

تعليق ابن تيمية على كلام ابن حزم هذا : ” وأعجب من ذلك حكايته الإجماع على كفر من نازع أنه سبحانه لم يزل وحده ولا شيء غيره معه ، ثم خلق الأشياء كما شاء ، ومعلوم أن هذه العبارة ليست في كتاب   الله ، ولا تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل الذي في الصحيح عنه حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” كان الله ولا شيء قبله، وكان عرشه على الماء ، وكتب في الذكر كل شيء” ، وروي هذا الحديث في البخاري بثلاثة ألفاظ ،  روي : ” كان الله ولا شيء قبله ” ، وروي : ” ولا شيء غيره ” وروي : ” ولا شيء  معه”، والقصة واحدة ، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال واحداً من هذه الألفاظ ، والآخران رويا بالمعنى ، وحينئذ فالذي يناسب لفظ ما ثبت عنه الحديث الآخر الصحيح أنه كان يقول في  دعائه : ” أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ” فقوله في هذا :” أنت الأول فليس قبلك شيء ” يناسب قوله : ” كان الله ولا شيء قبله ” ، وهذا الحديث لو كان نصاً فليس هو متواتراً ، فكم من حديث صحيح ومعناه فيه نزاع كثير ، فكيف ومقصود الحديث غير ما ذكر ؟! ولا نعرف هذه العبارة عن الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين ، فكيف يُدَّعى فيها إجماع ؟! ” انتهى كلام ابن تيمية رحمه الله.

لخص الباحث أهم ما وصل إليه من نتائج ؛ كما يلي :

1- حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” كان الله ولم يكن شيء غيره ” حديث صحيح ، رواه البخاري وغيره .

2- هذا الحديث مروي في ” صحيح البخاري ” من طريقين بلفظين ، هما ” كان الله ولم يكن شيء غيره ” و” كان الله ولم يكن شيء قبله ” وكلاهما صحيحان في المعنى عند الجمهور .

3- من نسب رواية ” كان الله ولا شيء معه ” لصحيح البخاري فقد وهم .

4- إذا اختلفت روايات الحديث فإن المحدثين يرجحون بكثرة الطرق وقوة الضبط ، ولا مدخل لتوارد كتب المراجع على ذكر إحدى الروايات في عملية الترجيح .

5- الراجح في هذا الحديث أنه بلفظ : ” كان الله ولم يكن شيء  غيره ” .

6- من رجح رواية هذا الحديث بلفظ :” كان الله ولم يكن شيء قبله ” فقد وهم ، وهذا اللفظ هو من باب الرواية بالمعنى .

7- الآيات القرآنية الكريمة ، وأقوال العلماء مؤكدة للفظ الراوية التي ثبت رجحانها من خلال الدراسة الحديثية .

8- رد دلالة الحديث الصحيح الآحادي بحجة عدم التواتر أمر وارد عند ابن تيمية رحمه الله .

ملحوظات على جزء حديث ” كان الله ولم يكن غيره ”

رواية ودراية وعقيدة

كتبها فؤاد بن عبده بن أبي الغيث

1– لم يجمع الباحث كلام ابن تيمية رحمه الله على هذا الحديث وما يتعلق به؛ من سائر كتبه لاسيما شرح حديث عمران بن حصين رضي الله عنه في مجموع الفتاوى (18/ 210- 243 ) ، وما أورده في درء تعارض العقل والنقل ، والصفدية ، ومنهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية .

ولو جمع الباحث كلامه لو جد – فيما يوجد – أنه ذكر في الرسالة العرشية – مجموع الفتاوى  (6/551) – روايتي البخاري ؛ قبله ، وغيره ، ثم قال: وفي رواية لغيره صحيحة ” كان الله ولم يكن شيء معه ، وكان عرشه على الماء ثم كتب في الذكر كل شيء” .

فذكر أن راوية ” كان الله ولم يكن شيء معه ” ليست في البخاري ، وحكم عليها بالصحة ، وفي هذا دليل على أنها لا تشكل على حقيقة مذهبه ، كما سيأتي …

2- قول الباحث في ملخص ( أهم نتائج البحث ) : ” ولا مدخل لتوارد كتب المراجع على ذكر إحدى الروايات في عملية الترجيح ” يشير به إلى قول ابن تيمية – رحمه الله – : ” وكان أكثر أهل الحديث إنما يروونه بلفظ القبل؛ كان الله ولا شيء قبله ، مثل الحميدي ، والبغوي ، وابن  الأثير ، وغيرهم”.

ولم يقصد ابن تيمية أن توارد كتب المراجع على ذكر رواية ” كان الله ولا شيء قبله ” وجه من وجوه ترجيحها على غيرها ، وإنما قصد الإشارة إلى أن أكثر أهل الحديث يرجحون روايته بلفظ القبل ” كان الله ولا شيء قبله “.

ويجوز استعمال لفظ الرواية على مجرد ذكر الحديث بلا إسناد .

3- قول الباحث في ملخص ( أهم نتائج البحث ) : ” الآيات القرآنية الكريمة ، وأقوال العلماء مؤكدة للفظ الرواية التي ثبت رجحانها من خلال الدراسة الحديثية ” [ يعني رواية ” كان ولم يكن شيء غيره ” ] .

وقد أشار الباحث إلى الآيات القرآنية الكريمة في أثناء البحث أيضاً ، ومَثّل بآيتين منها ، حيث قال ص 28 : ” فمن تلك الآيات الكريمة [المؤكدة لمعنى الرواية الراجحة عنده ]” قوله تعالى ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن) ووجه الاستدلال أن الله تعالى هو الأول ، ووصفه بالأول يعني أنه لم يكن قبله شيء ، ولم يكن معه شيء، لأنه لو كان معه شيء فإن الأولية غير متحققة له وحده ، أي كان سبحانه وتعالى وحده ، ولم يكن شيء غيره”.

ويلزم الباحث على هذا أن يقول : ووصفه بالآخر يعني أنه ليس بعده شيء، ولن يكون معه شيء ، لأنه لو كان معه شيء فإن الآخرية غير متحققة له وحده ، أي سيكون سبحانه وتعالى  وحده ، ولن يكون شيء غيره .

وهذا كفر بإجماع المسلمين ، لم يخالف في ذلك إلا الجهم بن صفوان ( ت 128هـ) ، فقد قال بفناء الجنة والنار …

فإذا كانت الآخرية متحققة له وحده ، ولو كان معه شيء ، فكذلك الأولية لا ينافيها كون شيء معه ( معية الفعل للفاعل والحادث للمُحْدِث ) .

المثال الثاني : قال الباحث : ” ومنها قوله تعالى :( ثم استوى على العرش) أخبر سبحانه وتعالى في هذه الآية أنه استوى على العرش بعد أن لم يكن مستوياً عليه ، أي أن الاستواء على العرش كان بعد أن لم يكن ، بخلاف قول القائل بقدم الاستواء ، وإذا كان الله تعالى ولا عرش فغير العرش من باب   أولى ، فثبت أن الله تعالى كان ولم يكن شيء غيره ” .

وجه الألوية في قول الباحث : “وإذا كان الله تعالى ولا عرش فغير العرش من باب أولى ” ليس واضحاً .

ويبدو أن الباحث يعتقد أن العرش هو أول المخلوقات مطلقاً ، وهذا غلط إذ لم يرد نص بذكر أول المخلوقات مطلقاً ، وإنما ورد الإخبار عن خلق الله لهذا العالم المشهود الذي خلقه في ستة أيام ثم استوى على العرش ، كما قال عز وجل : ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ) .

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه ليس مقصوده بيان أول المخلوقات ، لكن المقصود هو إجابة أهل اليمن عن أول هذا الأمر [ يعنون خلق السماوات والأرض وما بينهما ] .

فقوله : ” كان الله ولم يكن شيء قبله ” أو ” غيره ” يعني من هذا العالم بخلاف قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه :” أنت الأول فليس قبلك شيء” فمعناه ( مطلقاًَ ) لا من هذا العالم ولا من غيره .

ومخالفة الباحث للقول بقدم الاستواء خطأ ؛ لأن قوله تعالى : ( ثم استوى على العرش ) لا يخالف قدم الاستواء ، كما أن تكليمه عز وجل لموسى عليه السلام لا يخالف قدم الكلام .

والظاهر أن القول بقدم الاستواء يلزم منه عند الباحث ؛ ما ذكره ص 6 – ويفهم منه نسبته إلى ابن تيمية – وهو: ” أن الله تعالى الذي خلق العرش كان قد خلق قبله عرشاً آخر ، وخلق قبل ذلك العرش عرشاً آخر إلى ما لا نهاية بحيث أن العرش حادث بأفراده قديم بنوعه ؟! ” .

ولم نقف على نص لابن تيمية يقول فيه بذلك ، ويظهر أن بعضهم فهم عنه ذلك ، ثم نُقل منسوباً إليه .

أما أقوال العلماء التي ذكرها المؤلف ( ص 25- 27 ) فأكثرها لا يخالف قول ابن تيمية رحمه الله – إلا أنها مجملة وكلامه مفصل .

ومن العجيب أن يجعل الباحث مما نحن فيه ؛ قوله في أقوال العلماء التي تخالف قول ابن تيمية رحمه الله :

– ذكر بعض أهل العلم أن القاضي أبا يعلي قال في ” المعتمد ” : والحوادث لها أول ابتدأت منه ، خلافاً للملحدة . [!!]

فقد ردَّ ابن تيمية رأي الفلاسفة الذين يرون قدم النوع والأفراد ولا يفرقون بينهما ، وبين أن قدم النوع لا يستلزم قدم العالم …

أما أصرح أقوال العلماء في نفي وجود شيء من الأشياء مع الله تعالى في الأزل – مما ذكره المؤلف – فقوله :

– وقال الإمام الحافظ البيهقي : قوله : ” كان الله ولم يكن شيء غيره ” يدل على أنه لم يكن شيء غيره ، لا الماء ولا العرش ولا غيرهما .

وقال البيهقي كذلك : لأن الله تعالى لم يخلق في الأزل ، ثم خلق .

وقد أجيب عما قاله البيهقي – رحمه الله – بأن الحديث لا يدل على أن الله تعالى لم يخلق في الأزل مطلقاً ؛ لأنه جاء جواباً عن السؤال : عن أول هذا الأمر لا أول الخلق مطلقاً .

ويلاحظ أن الباحث لم يذكر في جزئه هذا السؤال . بل لم يذكر الحديث بتمامه. بل كان بحثه منصباً على تحقيق لفظ الجواب فقط .

وكان عليه أن يذكر السؤال ؛ لأن السؤال معاد في الجواب ، ولا يقال في مثل هذا : إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

إن الله عز وجل لم يزل خالقاً يخلق ما شاء متى شاء فلا يمتنع أن يخلق في الأزل بل هذا  ممكن جائز ليس له حدود …

4- قول الباحث في ملخص ( أهم نتائج البحث ) : “رد دلالة الحديث الصحيح الآحادي بحجة عدم التواتر أمر وارد عند ابن تيمية رحمه الله ” غلط على ابن تيمية رحمه الله ؛ سببه خطأ الباحث في فهم مراد الشيخ بقوله: “وهذا الحديث لو كان نصاً فيما ذكر فليس هو متواتراً ، فكم من حديث صحيح ومعناه فيه نزاع كثير ، فكيف ومقصود الحديث غير ما ذكر ؟! ولا نعرف هذه العبارة عن الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين ، فكيف يدعى فيها إجماع؟!”.

فمراد الشيخ رد دعوى الإجماع على كفر من نازع أنه سبحانه لم يزل وحده ولا شيء غيره  معه ، ثم خلق الأشياء كما شاء ؛ بأن الحديث لو كان نصاً فليس هو متواتراً ، وما ليس بمتواتر لا يقع الإجماع على كفر من خالفه .

لكن الحديث ليس نصاً فيما ذكر وإن كان صحيحاً ، بل مقصود الحديث الإخبار عن أول خلق هذا العالم ، كما تقدم .

وليس مراد ابن تيمية رحمه الله رد دلالة الحديث الصحيح الآحادي بحجة عدم التواتر كما فهم الباحث .

ثم ماذا يقصد الباحث بإبراز ” أن رد دلالة الحديث الصحيح الآحادي بحجة عدم التواتر وارد عند ابن تيمية رحمه الله  ” في نتائج البحث ؟!

هل هذا أمر وارد عنده أيضاً ؛ فيريد التأكيد أن هذه طريقة معروفة ؟!

أم أن هذا الأمر ليس وارداً عنده ؛ لكنه يريد أن يقول : انظروا إلى ما فعل ابن تيمية في هذه المسألة ؟!

وتعليق الباحث على كلام ابن تيمية – المذكور فيما سبق – يبين أن الاحتمال الثاني هو مقصوده ، حيث قال في أثناء البحث ص 28 : ” هذا غمز للحديث بسبب عدم التواتر ، فهل يصح أن ترد الأحاديث النبوية وتهمل دلالتها بمثل هذا ؟!

قائل هذا الكلام رجح اللفظ المرجوح دون أن يشعر ، وكأنه خشي أن يثبت عند المحدثين خلاف ما رجحه ، فأراد أن يدفع دلالة هذا الحديث أصلاً كي لا تكون حجة عليه !

لقد تبين من تخريج هذا الحديث ودراسة سنده أنه لا مطعن في اتصال سنده ولا مغمز فيمن تفرد به من رواته ، وأن الصحيح الثابت من ألفاظه هو ” كان الله ولم يكن شيء غيره ” وإذا كان الحديث بهذه الدرجة من الصحة فإنه لا يجوز لأحد رده ولو كان آحادياً ، إلا إذا خالف دلالة آية من كتاب الله تعالى أو حديث أثبت منه أو ما يرجع إلى هذين الأصلين .

وحيث إن الذي مهد القول لرده لم يأت بآية قرآنية مخالفة له في الدلالة ، ولا حديث أثبت منه، ولا أقل منه ثبوتاً ، ولا بدليل يرجع إلى هذين  الأصلين، فقوله هو المردود ؛ بل آيات القرآن الكريم مؤكدة لمعنى الراوية الراجحة التي ثبتت صحتها حسب منهج المحدثين ، والتي قد مهد بعضهم القول لرد الحديث أصلاً خشية ثبوتها ” ا.هـ كلام الباحث وفيه إساءة ظن بابن تيمية مع سوء فهم ، وقصور في تتبع ما قاله حول هذا الحديث وما يتعلق به ، وإلا فكيف يقول إنه لم يأت بدليل ؟!

وقد تقدم بيان أن الآيات التي يشير إليها الباحث ليست مؤكدة للمعنى الذي يقول به ، كما أنها ليست نصوصاً فيما يذكره المتكلمون المخالفون لابن تيمية ، وتقدم بيان معنى رواية ” كان الله ولم يكن شيء غيره ” وأنها ليست على عمومها ، والله أعلم .

أضف تعليق